سنتطرق في هذا المقال لمفهوم السياسة الشرعية كما تحدث عنه ابن قيم الجوزية (691- 751). والذي وسم أحد كتبه ب “الطرق الحكمية في السياسة الشرعية”. ويعتبر موضوع السياسة الشرعية من الموضوعات القديمة التي سبق أن تناظر حولها ابن عقيل (ت 513) وأحد الأمة الشافعية. حتى أن ابن القيم يورد في كتابه بعض من تلك التعريفات للمفهوم ويتخذ موقفا أقرب لابن عقيل في فهمه للسياسة الشرعية، وهو ما سنتعرض له لاحقا.
الحكم بالفراسة والأمارات:
السؤال الأساسي الذي يفتتح به ابن القيم كتابه، ويعده سؤالا عظيم القدر، ويجب على الحاكم أن لا يهمله إن أراد إقامة الحق بين الناس، هو: هل يحكم الحاكم بالفراسة والقرائن التي يظهر بها الحق، والاستدلال بالأمارات، أم يقف مع مجرد ظواهر البينات والإقرار؟[1] إذ من المعروف أن مفهوم “الفراسة” والذي يعني “الاستدلال بالخَلقِ على الخُلُقِ، وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر”*، يعتبر من المفاهيم المختلف عليها عند الفقهاء في التاريخ الإسلامي. وإذا أردنا أن نفهمه بلغة معاصرة، فإنه أقرب إلى الاجتهاد والتأمل الذي تنتج عنه أحكاما مرتبطة بالزمن والواقع، وأبعد عن الاتباع الحرفي للنصوص والطرق التي سار عليها الحكام السابقين. وهذا بعينه ما يريدنا أن نفهمه ابن القيم في كتابه هذا، وذلك من خلال الأمثله المتعددة التي يتعرض لها. ونقيض ذلك، نجد أن ابن عقيل يتحدث عن وجوب الحكم بالأمارات الظاهرة، وينفي أن يكون حكما بالفراسة. اعتراض ابن القيم على هذا الرأي، هو أن الحاكم إذا اعتمد على ظواهر الأحكام ولم يلتفت إلى بواطنها، سيضيع حقوقا كثيرة، وسيحكم بما يعلم الناس بطلانه. لذلك فالظواهر وحدها لا تكفي لبناء الأحكام، بل لا بد من أن يكون الحاكم فقيه في كليات الأحكام، عبر معرفة دقيقة بالأمارات وتفرس فيها، تنتج عنه أحكاما واجبة لكنها غير منفصلة عن الواقع ولا تخالفه. إذ يكتب: “ههنا نوعان من الفقه، لا بد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل. ثم يطابق بين هذا وهذا، فيعطي الواقع حكمه على الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع”[2]. وبالتالي، فإن ابن القيم يتحدث عن أمرين مهمين، هما: أولا؛ ضرورة المعرفة بالأحكام الكلية، وثانيا؛ إدراك الواقع الذي هو بالضرورة متغير ومتحول. والأهم من إدراك هذين الأمرين، هو ضرورة أن لا نخضع أحدهما للآخر، بالطريقة التي تجعل الواجب -الأحكام المعيارية- مفروضا على الواقع بشكل تعسفي. بمعنى آخر، إن الواجب لا يعتبر صالحا وعاما لمجرد أنه واجب، وإنما يستمد صلاحيته في إطار علاقة تنظر للواقع وتحولاته وتغيراته. وهنا يضع ابن القيم حدا لتلك المقولات التي تلزم الناس بالاتباع النصي للأحكام وضرورة تطبيقها على الواقع حتى وإن كانت مخالفة له، وتتعارض معه. وهذا هو جوهر السياسة العادلة كما يفهمها ابن القيم والتي يدافع عنها من داخل الشريعة وليس خارجها، إذ يكتب: “ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأن لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح: تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علما بمقاصدها ووضعها مواضعها وحَسُنَ فهمه فيها: لم يحتج إلى سياسة غيرها ألبتة”[3].
وعلى الرغم من أنه لم يمنح “الشريعة” تعريفا دقيقا، إلا أنه يجعل غايتها هي العدل، وكل ما يحقق هذا العدل يعتبر شريعةً. إذ يوصفها في كتابه إعلام الموقعين: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدلٌ كلُّها، ورحمةٌ كلها، ومصالحُ كلها، وحكمةٌ كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله (ص)”[4].
والسياسة بالنسبة إليه هي التي لا تخالف الشرع، وليس ما نطق به الشرع. وإذا ظهرت دلائل الحق، وأثبته العقل، فهذا عينه شرع الله ودينه. إذ لم يحصر الله تعالى دلائل الحق في نوع بعينه، ونتيجة ذلك؛ فإن أي طريق يؤدي للحق وجب الحكم به. لذلك نجد ابن القيم يدافع عن الاجتهاد في وجه الذي يقولون بالتقليد والنقل الحرفي عن السابقين. فالتقليد بالنسبة إليه ليس من لوازم الشرع، وهو هنا يتحدث خصوصا عن التقليد المذموم “التقليد المنكر المذموم ليس من لوازم الشرع (…)، بل بطلانه وفساده من لوازم الشرع”[5]. ويتسأل معترضا على من يقولون أن التقليد من لوازم الشرع “أين قال أصحابُ رسول الله للتابعين: لينضب كلٌّ منكم لنفسه رجلا يختاره فيقلده دينه ولا يلتفت إلى غيره، ولا يتلقى الأحكام من الكتاب والسنة، بل من تقليد الرجال!؟”[6].
إن السياسة الشرعية العادلة بالنسبة لابن القيم توجب الاستدلال والاجتهاد إذ “لو كان التقليد من الدين لم يَجُز العدول عنه إلى الاجتهاد والاستدلال؛ لأنه يتضمن بطلانه”[7]. وبالتالي فإنه يرى أن الاجتهاد أحد الأسس الراسخة للدين، ومن يبطله يحكم على نفسه بالعمى. بالمقابل، فإن المتابعة والاقتداء هي التي تُعدّ من لوازم الشرع وليس تقليد آراء الرجال، يكتب: “المقصود أن الذي هو من لوازم الشرع المتابعةُ والاقتداءُ، وتقديم النصوص على آراء الرجال، وتحكيم الكتاب والسنة في كل ما تَنَازع فيه العلماء، وأما الزهد في النصوص والاستغناء عنها بآراء الرجال وتقديمها عليها والإنكار على من جعل كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة نُصب عينيه وعرض أقوال العلماء عليها ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله وليجةً فبطلانه من لوازم الشرع، ولا يتم الدين إلا بإنكارِه وإبطالِه”[8]. فمنع التقليد والذي يدافع عنه ابن القيم هنا يعتبره طاعة لله ورسوله، وامتثالا لأوامره وتوجيهاته الواردة في القرآن والسنة. إذ يرى خطأ الرأي الذي يقول أن المقلد وعندما يقلد من هو أعلم منه، سيكون أقرب للصواب في حال اجتهاده. ويكتب ردا على ذلك “إذ بذل اجتهاده في معرفة الحق فإنه بين أمرين إما أن يظفر به فله أجران وإما أن يخطئه فله أجر، فهو مصيبٌ للأجر ولا بد، بخلاف المقلد المتعصب فإنه إن أصاب لم يُؤجر، وإن أخطأ لم يسلم من الإثم، فأين صواب الأعمى من صواب البصير الباذل جهده؟”[9]. أما عندما يقلد الحاكم، أو أي شخص من المسلمين، غيره من الأئمة والعلماء، مع علمه بأن الصواب هو عينه الذي فعله من يقلده، ففي هذه الحالة يقول ابن القيم “لا يكون مقلدا له، بل متبعا للحجة”[10]. إذ يصدر الأمر هنا عن اقتناع تفكري ذاتي وليس مجرد تقليدا أعمى.
وفي إطار الاجتهاد نفسه، فإن الفراسة التي يتحدث عنه ابن القيم تجوّز للحاكم، الحكم بغير ما اعترف به المحكوم عليه. ويورد مثالا على ذلك قول النبي سليمان للمرأتين اللتين أدعتا الولد. إذ في هذه القصة حكم داود عليه السلام للكبرى بالولد، فقال سليمان “ائتوني بالسكين أشقه بينكما”، فوافقت الكبرى، ورفضت الصغرى، واعترفت بأن الابن للكبرى. وفي هذه الحالة “قضي به للصغرى”[11]. إذ على الرغم من اعترافها بأن الابن ليس ابنها، إلا أن موافقة الكبرى على شقه اعتبرت قرينة على أنها ليست أما للولد. كذلك، “قد حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه رضي الله عنهم برجم المرأة إذا ظهر بها الحبل، ولا زوج لها ولا سيد”[12]. كما حكم عمر ومعه ابن مسعود “بوجوب الحد برائحة الخمر من فيّ الرجل، أو قيئه له، اعتمادا على القرينة الظاهرة”[13]. ونتيجة ذلك، يمنح ابن القيم البينة تعريفا لا يحصرها في الاعتراف، أو الشهود، أو مجرد نقل الأحكام عن الحكام السابقين وإنما يعني بها: “اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خَصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد، لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة. وكذلك قول النبي (ص): “البينة على المدعي” والمراد به: أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة”[14]. ولا ريب أن تكون أشكالا أخرى من البينة -غير الشاهدان- أقوى وأكثر دلالة من إخبار الشاهد. بل وأبعد من ذلك فإنه يطابق بين البينة ومفاهيم أخرى ” البينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة: متقاربة في المعنى”[15]. فالشارع لم يلغي هذه الأشكال من الاستدلال والحجج ويورد ابن القيم حديث النبي الذي يقول فيه لجابر بن عبدالله الذي كان يريد السفر إلى خيبر “إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإذا طلب منك آية، فضع يدك على ترقوته”[16]. يقول ابن القيم: “الشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار، مرتبا عليها الأحكام”[17].
هذه المساحة التي تقرّ الحجة والاستدلال والتبصرة، والتي يسمح بها ابن القيم، تنتج عن ما يسميه بالفراسة. إذ نجده يكتب: “وقول أبي الوفاء ابن عقيل: (ليس هذا فراسة)، فيقال: ولا محذور في تسميته فراسة، فهي فراسة صادقة. ومدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه، فقال تعالى (إن في ذلك لأيات للمتوسمين) وهم المتفرسون”[18]. كما يختم بالحديث الشريف: “اتقوا فراسة المؤمن، فإن ينظر بنور الله، ثم قرأ (إن في ذلك لأيات للمتوسمين)”[19].
ما السياسة؟
إن السياسىة عند ابن القيم نوعان: الأول؛ سياسة ظالمة وهي التي تحرمها الشريعة، والثاني؛ سياسة عادلة وهي التي تخرج الحق من الظالم، وهي التي تضمنتها الشريعة وأكدت عليها. إن المعنى الذي يعطيه ابن القيم للشريعة، وكما تعرضنا له سابقا، يضمّن بداخلها كل الطرق التي تؤدي إلى إقامة العدل. لذلك لا يرى تعارضا بينها وبين السياسة العادلة. ويورد في إطار حديثه عن السياسة تعريفات عدة، قال بها من سبقوه من العلماء. ويكتب: “وقال ابن عقيل في الفنون: جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول (ص)، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: (إلا ما وافق الشرع) أي لم يخالف ما نطق به الشرع: فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف، فإنه كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي -رضي الله عنه- الزنادقة في الأخاديد فقال: إني إذا شاهدت أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا”[20].
بالنسبة لابن القيم هناك طوائف من العلماء، وفي إطار محاولة فهمهم للسياسة، توقفوا عند ظواهر الأحكام. وكانت النتيجة هي جعل الشريعة قاصرة عن تقديم حلولا يمكنها أن تؤكد وترسخ مصالح العباد. إن الشريعة وفقا لفهم هذه الطائفة محتاجة لغيرها في سبيل مواجهة المشكلات الناشئة، ولما رأي الناس ذلك، عطلوا أحكامها ولجأوا إلى القوانين الوضعية لمواجهة أزمات حاضرهم. ويقول ابن القيم أن هذا الفهم للشريعة يعود إلى “تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر”[21]. وهناك طائفة أخرى أفرطت ووسعت من مجالات السياسة الشرعية، مما أدى بهم ذلك إلى الوقوع في سوغ أحكام تخالف حكم الله ورسوله. ويرجع ابن القيم خطأ كلا الطائفتين إلى كونهما لم يعرفا بحق ما بعث الله به رسوله، ومن أجله أنزل كتبه. ويقول: “إن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات الحق وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له”[22]. وبالتالي فإن ابن القيم هنا يؤيد رأي ابن عقيل حول السياسة الشرعية، إذ يرفض أولا الجمود أمام الأحكام الشرعية واعتبارها قاصرة وناقصة، وفي الوقت نفسه لا يقول بأن السياسة العادلة هي فقط ما نطق به الشرع. بل كل ما يحقق العدل يعتبر عنده جزءا من أجزاء الدين. إن السياسة كما يكتب: “عدل الله ورسوله ظهر بهذه الأمارات والعلامات”[23]. ويورد دليلا على ذلك، أن النبي عليه السلام حبس في تهمة وعاقب في تهمة، عندما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، “فمن أطلق كل متهم وحلّفه وأخلى سبيله -مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل- فقوله مخالف للسياسة الشرعية”[24]. أيضا مما فعله النبي، والذي يضمنه ابن قيم تحت مفهوم السياسة الشرعية المرتبطة بمصلحة الأمة، أنه -النبي- “أمر بقتل شارب الخمر بعد الثالثة أو الرابعة، ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حدًّا لابد منه، بل هو بحسب المصلحة إلى رأي الإمام، ولذلك زاد عمر رضي الله عنه في الحد أربعين ونفي فيها”[25]. أيضا من الأمثلة التي يوردها ابن القيم، والتي يضمنها تحت مفهوم السياسة الشرعية التي يمكن أن يقرّها الحاكم، هو مثال حرق أبا بكر الصديق للوطية، إذ يقول: “أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- حرَّق اللوطية، وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل الآخرة. وكذلك قال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي فله ذلك”[26]. والدلالة في هذه القصة، هو أن الحاكم يمكن أن يقرر ما يشاء من العقوبات التعزيزية، حتى وإن لم ينص على ذلك في الشرع، وإنما استنادا لمصلحة الأمة من غير أن يكون ذلك مناقضا للسياسة الشرعية.
وهناك تطبيقات متعددة يوردها ابن القيم للسياسة الشرعية، وهي تطبيقات تغلّب جانب المصلحة من غير أن يُعدّ ذلك مناقضا للشريعة الإسلامية، ونورد منها مثال حكم قطع الأيدي في الحرب إذ يكتب: “أن النبي (ص) (نهى أن تُقطَع الأيدي في الغزو) فهذا حَدٌّ من حدود الله تعالى، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغصبا”[27]. وبالتالي فالمصلحة هنا تقتضي تعطيل الحد على الرغم من تأكيد الشريعة وتنصيصها عليه، بل لا يختصر الأمر على حد قطع يد السارق فقط وإنما يشمل كل الحدود. ويورد ابن القيم الحديث التالي “وذكرها أبو القاسم الخرقي في (مختصره) فقال: ولا تقام الحدود على مسلم في أرض العدو”[28]. وبالنسبه إليه فإن اسقاط الحدود في هذه الحالة لا يخالف نصا ولا قاعدة من قواعد الشرع، “وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة إما من حاجة المسلمين إليه أو خوف من ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمرٌ وردت به الشريعة”[29]. وبالتالي فالفقيه، الذي لديه قدرة على تطبيق السياسة الشرعية العادلة، هو الذي ينفذ الواجب بحسب ما يستطيع، ولا يصنع عداوة بينه وبين الواقع، إذ لكل زمان حكم كما يوضح ابن القيم.
قائمة المراجع:
ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق نايف بن أحمد بن علي الحمد، الرياض، دار التدمرية، 2014، الطبعة الثالثة، المجلد الأول.
ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق أبوعبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الدمام، دار ابن الجوزي، 1423)، الطبعة الأولى، المجلد الرابع.
[1] ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق نايف بن أحمد بن علي الحمد، (الرياض، دار التدمرية، 2014)، الطبعة الثالثة، المجلد الأول، ص 3-4
*هذا التعريف للفراسة يورده محقق كتاب “الطرق الحكمية” وينسبه لابن العربي، في كتابه أحكام القرآن.
[2] ابن القيم الجوزية، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص7
[3] ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص7
[4] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق أبوعبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (الدمام، دار ابن الجوزي، 1423)، الطبعة الأولى، المجلد الرابع، ص337
[5] المرجع نفسه، ص16
[6] المرجع نفسه، ص15
[7] المرجع نفسه، ص16
[8] المرجع نفسه، ص17
[9] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ص29
[10] المرجع نفسه، ص29
[11] ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص8
[12] المرجع نفسه، ص11
[13] المرجع نفسه، ص12
[14] المرجع نفسه، ص25-26
[15] المرجع نفسه، 26
[16] المرجع نفسه، 26-27
[17] المرجع نفسه، 27
[18] ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص27
[19] المرجع نفسه، ص28
[20] المرجع نفسه، ص29-30
[21] المرجع نفسه، ص31
[22] المرجع نفسه، ص31
[23] ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، مرجع سابق، ص32
[24] المرجع نفسه، ص32
[25] المرجع نفسه، ص34-36
[26] المرجع نفسه، ص38
[27] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ص340
[28] المرجع نفسه، ص341
[29] المرجع نفسه، ص345
Leave a Reply